بسم الله الرحمن الرحيم
كفر العصر العلمانية المتأسلمة
ليست قراءة عصرية للإسلام ولكنها فهم علماني لنصوصه!
حرص الغرب الكافر المستعمر على سحق المسألة الفكرية لدى أبناء المسلمين ليكونوا مادة طيعة مرنة لغزوه الثقافي، فحرص عبر مناهج التعليم التي صممها ووضعها بناء على فلسفته وثقافته العلمانية في إقصاء الإسلام عن فكرنا وتفكيرنا وقضايانا وحياتنا، والتي كانت ولا زالت سبة عصرنا بها نزيغ ونضل ونلحد في إسلامنا، فقد حرص على الضحالة الفكرية والهشاشة الثقافية في التعامل مع مواضيع الثقافة الغربية للاستجابة التامة لكل إنتاجها المعرفي دون تفكير فيها كثقافة علمانية كافرة تناقض إسلامنا وتنسف إيماننا، بل حرص كل الحرص على تلقيننا ثقافته العلمانية باعتبارها مسلمات معرفية وحقائق يقينية فكرية، وتعمد الغرب إخفاء الوجه العلماني لثقافته والتعمية على خصوصية بيئتها وظروفها وإنسانها وحقيقة كفرها، وصدّرها وقدمها كإنتاج معرفي إنساني محايد بل وصاغها لنا كعلوم المادة من كونها عامة عالمية غير متأثرة بوجهة نظره وكفره، وهي لعمرك المكيدة الكبرى والخديعة السامة المهلكة!
فالثقافة كإنتاج معرفي هي مادة بناء كيان الأمة وبناء شخصية إنسانها، فهي مادة بناء عقلية الإنسان لفهم الأمور والأحداث بطريقة معينة، طبق المقاييس والقواعد الثقافية التي يقيس الأمور بحسبها، وهذه الثقافة هي مادة الحضارة وبناء عليها تتحدد الأهداف والغايات والمثل والقيم ويحدد نمط العيش، وهي مادة وجهة النظر في الحياة، وهي إسمنت المجتمع ومادة معاييره وأحكامه ومعالجاته وأنظمته وحياته.
أما وقد تحكم الكافر الغربي في المسألة الثقافية في بلاد المسلمين عبر مناهج التعليم حتى لا تفلت جزئية من جزئياتها، “وقد وضع الاستعمار مناهج التعليم والثقافة على أساس فلسفة ثابتة، هي وجهة نظره في الحياة التي هي فصل المادة عن الروح، وفصل الدين (الإسلام تحديدا) عن الدولة، وجعل شخصيته وحدها الأساس الذي تنتزع منه ثقافتنا، وجعل حضارته ومفاهيمه ومكونات بلاده وتاريخه وبيئته المصدر الأصلي لما نحشو به عقولنا…”. وقد كان لهذه الثقافة الغربية العلمانية الأثر الأكبر في تركيز أفكار الكفر والاستعمار، فحتى وإن فشل في إيجاد أجيال تحمل عقيدته، وتؤمن بما يؤمن به، فلا أقل من أن يوجِد أجيالاً جاهلة، مشتتة الذهن، ليس لها قاعدة فكرية ولا طريقة في التفكير. وبالتالي ستبقى هذه الأجيال تربة صالحة لزرع ثقافته، وتوجيهها بالوجهة التي يريدها هو، حتى لو أرادت الإفلات من قبضته بعد إدراكها غايته، فهو الذي يرسم لها طريق النضال لتقع مرة أخرى في قبضته، وتعود لتبقى حبيسة قفصه الاستعماري، وفي كل مرة يبتكر أسلوبا للإيقاع بها في الفخ.
فإذا كانت هذه القواعد والمقاييس العلمانية هي التي نقيس بها حياتنا وقضاياها ووقائعها وأحداثها، فحتما هكذا عقليات تشكلت بهكذا مقاييس وقواعد علمانية لزاما أن تفكر بحسب ما يريد هذا الكافر المستعمر، وأضحت عقليات مشبعة بتقليد الغرب طاردة للإسلام من دائرة تفكيرها وانشغالاتها منغمسة في اقتفاء أثر الغرب فيما سطره لنا من حدود وقوانين وثقافة وسياسة وأنظمة حياة وحضارة وغير ذلك، حتى صارت هكذا عقليات خادمة للأوضاع والسياسات والمشاريع الاستعمارية التي أقامها الغرب فينا، والأنكى أن المغالطة التي تعمدها الكافر المستعمر في تلقين أبناء المسلمين مقاييسه وقواعده الثقافية ليس كجزء من ثقافته العلمانية ولكن كمقاييس وقواعد علمية وحقائق علمية عامة عالمية مسلم بها غير قابلة للنظر والتفكير فيها، فأوجد الإكبار لمعارفه الثقافية باعتبارها علوماً عالمية، فصارت معارفه الثقافية تُؤخذ كقضايا مسلمة لتحكيمها في أمور حياتنا!
وهكذا ترى كثيرين من المستلبين ثقافيا ولا سيما فئة المثقفين بهذه الأفكار الذين مورس عليهم الغزو الثقافي بكثافة وطحنتهم وسحقتهم ماكينة الثقافة الغربية العلمانية، يتناولون مواضيع الثقافة الغربية العلمانية كباب من أبواب علوم المادة (الرياضيات، الفيزياء، الهندسة…)، فيتعاملون معها بحيادية بلهاء، بل يضفون عليها طابع الفهم الجديد والقراءة العلمية الحديثة العصرية للثقافة وقضاياها، وهذه الضحالة الفكرية والهشاشة الثقافية تعذر معها فهم الثقافة الغربية العلمانية كثقافة خاصة بنت بيئتها وظروفها وإنسانها وزمانها ومكانها، وأن جذورها العلمانية سبب في وجودها وإنشائها وتوليد مقاييسها وقواعدها وإنتاجها المعرفي العلماني الخاص بها، ومع هكذا مأزق معرفي أُحْكِم إغلاق العقول أمام إدراك حقيقة معضلاتها الفكرية وتهافت حججها وأسانيدها الفلسفية ورؤاها الثقافية وفوق كل هذا باطل كفرها العلماني.
فما أسمته الثقافة الغربية العلمانية علوما هي إنتاج معرفي ثقافي علماني، فهي الرؤية العلمانية للمسائل والقضايا الثقافية، أما تلك السطحية في النظر إليها كقراءة علمية عصرية للمسائل الثقافية فلا قيمة معرفية لها سوى تضليل أفهام أصحاب الضحالة الفكرية والهشاشة الثقافية، فهي قراءة علمانية لمسائل وقضايا الثقافة وكفى، ونعتها بالحداثة والعصرية لا يعدو عن كونه تدليسا لتمرير وتيسير الغزو الثقافي، فالجديد والقديم ليس معيارا للصحة والبطلان في المسألة الفكرية والثقافية، وليس هو موضوع البحث بل الموضوع هو علمانية الثقافة وكفى.
فمثلا من أبواب الثقافة العلمانية الغربية باب سمي بعلم الاجتماع فهو ليس قراءة علمية عصرية للمجتمع وقضاياه، بل هو قراءة ورؤية ثقافية علمانية للمجتمع وقضاياه وكفى، ولا قيمة معرفية لتعيير هذه الدراسة الثقافية العلمانية ودمغها بالحديثة أو العصرية، فالقضية في فلسفتها العلمانية وليست في زمن حدوثها. وكذلك ما سمي بعلم النفس فهو ليس قراءة علمية عصرية حديثة للنفس البشرية ومشاكلها، بل هو قراءة ورؤية ثقافية علمانية للنفس البشرية ومشاكلها. وكذلك ما سمي بعلوم التربية فهي ليست قراءة علمية عصرية حديثة لتقويم السلوك الإنساني، بل هي قراءة ورؤية ثقافية علمانية للتربية وسلوك الفرد. وكذلك ما سمي بعلم التاريخ وفروعه، فهو ليس قراءة علمية عصرية حديثة للتاريخ، بل هي قراءة ورؤية ثقافية علمانية للتاريخ وماضي البشرية. وكذلك ما سمي باللسانيات أو علم اللغة، فهي ليست قراءة علمية عصرية حديثة للغة، بل هي قراءة ثقافية علمانية للغة وكلام البشر مفردة ومصطلحا ومعنى.
وقس عليها كل الإنتاج الثقافي العلماني الغربي، فهو معرفيا إخضاع المسائل والقضايا والإشكالات الثقافية لمعايير وقواعد العلمانية لتوليد الرؤية العلمانية الخاصة، فهي علمنة شاملة لكل قضايا الثقافة. فالعلمانية هي وجهة نظر في الحياة، وجذرها الفلسفي في فصل الدين عن الحياة هو قاعدتها الفكرية الأساسية التي تستند إليها في إنشائها وتوليدها لمعارفها وثقافتها العلمانية الخاصة بها.
فالثقافة بنت وفرع عن جذرها الفلسفي وعقيدتها الفكرية، لها قواعدها الخاصة ومعاييرها الخاصة، فالثقافة خاصة إلى أبعد الحدود فهي انبثاق عن وجهة النظر في الحياة والتي هي أخص الخصوصيات، وكل إسقاط على ثقافة أخرى هو سقوط في الخلل والخطيئة المعرفية، فكل ثقافة لها جذرها المعرفي الخاص بها وقواعدها ومعاييرها الخاصة التي لا تفهم إلا بها، وكل استعمال لقواعد ومعايير من جنس ثقافة أخرى هو في حكم المسخ والتشوه الثقافي، ويصنف في خانة الخلل المعرفي والخطيئة الثقافية، ولا قيمة له معرفيا وثقافيا إلا في باب المسخ والتشويه. فاستعمال أدوات وقواعد ومعايير الثقافة العلمانية الغربية في دراسة وفهم الثقافة الإسلامية، ما هو إلا أسلوب في علمنة الثقافة الإسلامية ومسخها وتشويهها، والمفارقة أنها تقدم للسطحيين ويروجها السطحيون كقراءة علمية عصرية حديثة وكفهم جديد مبتكر للثقافة الإسلامية، وهي لعمرك قمة الضحالة الفكرية والهشاشة الثقافية!
وهذا الإسقاط والمسخ والتشوه الثقافي هو سمة حظائر الاستعمار وزمن انحطاطها وسمة أشباه مثقفيها، فترى الواحد منهم بعد أن تشرب بعضا من قيء الثقافة العلمانية الغربية يتحذلق لغويا لإغواء السامعين ثم يأتيك بالموبقات العقدية والمهلكات الفكرية ويدعي المأفون في كل هذا أنه اجتهد فيما عجز بل وأخطأ فيه الأولون، والمصيبة أنه في استلابه الثقافي وهزيمته الثقافية لا يفقه حقيقة أن هراء كلامه هو مجرد قيء علماني به نسف دينه وإيمانه قبل دين السَمَّاعين له.
وقد طلع علينا في أيام قحطنا الفكري ويبسنا الثقافي وانحطاطنا الحضاري، نسل تناسل علينا من مأفوني كفرة المستشرقين من أبناء جلدتنا يتكلمون لساننا ويناقضوننا إسلامنا العظيم، نسل من المرتدين الجدد نبت خبيث على شاكلة أعمى البصر والبصيرة طه حسين، همهم الغمز واللمز في الإسلام وفكره وثقافته وأعلام مفسريه ومحدثيه وفقهائه، قاع خبثهم شحرور ومن فراخه اليوم خريج قسم اللسانيات العلمانية الدعي يوسف أبو عواد، والذي ما فطن في ضحالته الفكرية أن اللسانيات عند التحقيق هي شق من الثقافة الغربية العلمانية وباب في فلسفة اللغة تم إنشاؤه أواخر القرن التاسع عشر، من نسج العقل العلماني المؤسس دي سوسير والذي يعتبر بمثابة الأب للمدرسة البنيوية في علم اللسانيات وعُدَّ مؤسس اللسانيات، ففكرته مفادها علمنة اللغة عبر تجريد المفردات والمصطلحات من دلالاتها الدينية التي صبغتها وانطبعت بها خلال عصور هيمنة الكنيسة ولاهوتها الثقافي، فمع موجة العلمنة لكل حقول المعرفة أراد علمنة اللغة أيضا، فاللغة في كتابه (محاضرات في اللسانيات العامة) تحمل هويات من القيم “الدين، المحيط، الثقافة، الفكر الفلسفي”، ولا بد من تجريد اللغة من حمولتها الدينية لتصبح لغة علمانية. فاللسانيات فرع من الثقافة العلمانية الغربية لعلمنة اللغة وكلام البشر بمعنى تجريد للمفردة والمصطلح من المعنى الديني وتجريدها من حمولتها الدينية، فاللسانيات هي الآلة لعلمنة اللغة انتهاء لعلمنة الدين، وذلك الذي يقوم به يوسف أبو عواد، وهذا الإسقاط العلماني للسانيات على اللغة العربية مفسد لمعانيها ومبانيها أي مفسد للغة نفسها ومحرف للدلالات والمعاني أي محرف لكلام العرب ومحرف للدين نفسه الذي أنزل بلسان عربي مبين، ثم بهكذا لسان معلمن يتجرأ على الله في تحريف معاني ودلالات النص القرآني ويحرف الكلم عن مواضعه ومراميه، وهو في كل هذا يسير بحسب مقاييس وقواعد العلمانية في فهم اللغة العربية وتفسير القرآن، فيأتيك بالموبقات العلمانية ويحسبها إنشاء واجتهادا في فهم النصوص بل ويفري ويفتري ويشنع بأعلام المفسرين وجهابذة الفقهاء وينعتهم بالتراثيين الذين أخطأوا في فهم الإسلام ونصوص قرآنه، ومع كل هذا الزيغ والضلال العلماني والزندقة يحسب نفسه يحسن صنعا، بل يأتيك هذا الصنف بالردة والكفر العلماني كفكر وثقافة إسلامية، وعلى شاكلته فرخ آخر من فراخ زنادقة الشحارير الدعي ياسر العديرقاوي رخيص مدرسة شرك الإبراهيمية وضلالة صلاته القرآنية وهلم جرا…
ذَكَرْنا هؤلاء بأسمائهم تحذيرا لأبناء المسلمين السماعين لهم والذين لا يملكون الآلة ونعني بها العقلية الإسلامية المنضبطة بقواعد ومقاييس الإسلام والمتحررة من علائق العلمانية الغربية وكفر معارفها وثقافتها، ولا سبيل لهم للتحصيل الثقافي الإسلامي والنهل من بحر ثقافته في زمن القحط الثقافي واليَبَسِ الفكري، لإدراك سفالة وسفاهة وزندقة هؤلاء المرتدين الجدد.
فهذا الغزو الثقافي السام المتواصل والمستمر وهذه الحرب الفكرية العلمانية المدمرة، أفرزت عقليات مشوهة ومسوخا معرفية، علمانية التفكير إسلامية القشرة والمظهر، قشرتها الخارجية إسلامية وعمقها الثقافي علمانية، قالب إسلامي لمحتوى علماني. فالحذر الحذر فالحركة الثقافية في كيانات الوظيفة الاستعمارية ملغومة ومفخخة في كل زواياها الفكرية والثقافية بألغام وفخاخ العلمانية الغربية، بل حتى علوم المادة تمت فلسفتها خدمة لعلمانية المستعمر الغربي.
فالحذر الحذر فالمسألة الثقافية كالمبضع في يد الجراح، خطؤها قاتل فإن لم تكن جراحا فلا تُقْدِم، فلا مجال للمغامرة فالمخاطرة هنا ليست نزيفا أو بترا، بل استئصال لعقلك وإيمانك ومفاهيم إسلامك العظيم انتهاء بردتك وكفرك، فانبذ زنادقتها ومنتحلي الثقافة والفكر عبيد العلمانية خدم الاستعمار.
أبناء الإسلام العظيم: لا بد من تنبيه وتحذير، فموقف المسلم من الثقافات الأخرى كون الثقافات خاصة ومطبوعة بعقائدها أنه لا يجوز له التأثر ولا الانتفاع بها ولا اتخاذها مصدرا لقواعده ومقاييسه وأحكامه وتصوراته، فكيف بفلسفة تسعى لنسف حقيق وحق إسلامه العظيم ووحي العليم الحكيم، واستبدال مسخ اجتهادات فلاسفة الغرب وكفر علمانية ثقافتهم به! أما عن مطالعتها والتزود بها فيكون لمن له الأهلية لفهم كنهها وإدراك مراميها لنقضها لإيجاد الحركة الثقافية التي يقتضيها حمل الدعوة الإسلامية، لجدال أصحابها فيها لبيان عوارها وفسادها وكفرها ثم جعل الثقافة الإسلامية تؤثر فيهم، ويتحقق حقيق إخراجهم من الظلمات إلى النور وشهادتنا على الناس.
فالثبات الثبات والحرص كل الحرص على نقاء وصفاء فكركم وثقافتكم الإسلامية لصفاء ونقاء عقلياتكم واستقامتكم على أمر ربكم، واعلموا أن ما اقتحم عليكم الغرب حصونكم واستباح بيضتكم وحماكم إلا بفقد حامي حماكم والذاب عن حياضكم إمامكم وخليفة رسول الله ﷺ فيكم وجُنَّة الله لكم. ألا فبادروا قبل انقطاع العمل وانصرام الأجل لخير أعمالكم إعلاء كلمة ربكم ورفع راية نبيكم ﷺ وعزة أمتكم بحمل هَمِّ هذا الدين والعمل لإقامة خلافته من أجل استئناف حياتكم الإسلامية، واعلموا أن حبل الكفر منقطع وليل علمانية الغرب منحصر وشمس إسلامكم لاحت في الأفق فالبدار البدار.
﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي للحزب التحرير
مناجي محمد